كتب:هاشم ابن عوف
الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٥
هل دولة ٥٦ بُنيت بناءً على العنصرية وإقصاء غرب السودان وإثنياته عن مقاليد الحكم وتولي المناصب العليا في الجيش؟ أم كان نتيجةً لاختيارات المستعمر وتوريثه الكرسي والمزايا للأكثر ولاءً وكان ذلك على حساب القبائل التي ناصرت المهدية في حرب المستعمر الأخيرة؟
واذا كان ذلك صحيحاً، فإن أكثر الآراء تطرفاً يصف الحالة بأنها “مزايا تاريخية” أي ليس هناك هيكلةً دستوريةً مكتوبةً تنص على الإقصاء الإثني والعرقي. ولكنها ممارسات القرابة و الواسطة التي انتجت بالتراكم هذه النتيجة. و يعلم الجميع أن عنفوانها بدأ جلياً بتولي من حظي بتعليم غوردون وخفّ لدرجة الذوبان خلال السبعين عاماً لأن هذا هو التدرج الطبيعي لنتاج ما بعد الاستعمار الطويل فما لبث أن تسعت شمولية التعليم وتمدد النسيج الحضري وتقاربت المجتمعات وذابت البوائن وتزاوجت النفوس بالزمالة والجيرة.
فهل حرب آل دقلو كانت خيارهم الوحيد لمجابهة هذه الممارسات، أي ممارسات دولة ٥٦؟
ألم يكُ بالإمكان لمحمد حمدان دقلوا الذي استولى على كل السلطة الفعلية السياسية والعسكرية لخمس سنوات تباعاً أن يسنّ قانوناً محاسبياً من أعلى دواوين الدولة لتجريم الاحتكار الإثني للمناصب المدنية والعسكرية وينهي بالقانون دولة ٥٦؟
الإجابة نعم.
اذاً هذا يقودنا إلى عدة تساؤلات على رأسها اذا كان سبب حربه هي دولة ٥٦، وقد كان قادراً مقدرةً ذهنيةً وسياسيةً وسلطويةً و عسكريةً أن يغير هذه الدولة العنصرية البغيضة، بالقانون، وفرضه، لا بحربٍ تُعمِّق وتُسعِّر وتستجر وتُحيي رميم الماضي بمراراته التي محاها الله بسنيِّه من الاذهان والقلوب.
اذا كان هذا المنطق صحيحاً، فما الذي يعنيه بحرب دولة ٥٦ المتوهم محاربتها حرباً بالسلاح والعتات حرفياً وتحالف خارج الحدود قتلاً وسحلاً واغتصاباً وتشفّياً؟
لا بد وأنه يعني شيئاً آخر وجعل هذا الشعار دِثاراً يتوارى من تحته.
ما سمعناه بالأمس من لسان صغارهم في نيروبي وقبله ما سجلته هواتفهم في أرض المعركة إيمانهم بقضية ٥٦ والمجاهرة بمَقْت القبائل الشمالية بالرغم انها مزايا “تاريخية” وممارسات غير قانونية وليس أبارتايد مفروض بقوة السلاح. وتبنّي لغة المقت والكره منافٍ في جذره وأصله ورأسه للدعوة للمساواة فالأمر برمته هشٌ، حديثُ الإنشاء والبنيان، ملفقُ التخطيط وردئُ الإنتاج. أمرٌ لاشك وأن آلةً إعلاميةً غزت بها هذه العقول واعتمدت سلطة المال والقبلية، فلِوتر القبلية أفيونٌ لا يقل أثراً من الدين.
وبمناسبة الدين، فلنقف هنا هنيهةً نتدبّر كيف لم يتطرق حميدتي ولم يربط آفة دولة ٥٦ بالدين أو الايدولوجية الفكرية. ولم تُذكر في تسجيلاتهم الكارهة لدولة ٥٦.
ولكن المتحالفين معهم اليوم وقد بانت دواخلهم في نيروبي لم يتوحدوا تحت آفة ٥٦ وتهميشها العرقي وإقصائها القبلي، بل اضافوا التهميش الفكري والايدولوجي وهي أقرب التفاسير لهذه الحرب.
سنرجع مرة أخرى لمرجعية دين الإسلام وعدمه، وعلاقة الحكم بالدين وعدمه، وقبول عامة الشعب بعلمانية لا تلقى بالاً للموروث الأخلاقي بل وتخلط بين العلمانية والتحرر والحرية والتخلف . وحينها ينجلي الغبار عن الشعارات الزائفة و الثانوية والخوض في الدماء والحرمات وغدر الشعب وإدخال البلاد في حرب عبثية بسبب التخفي وراء مقاصد تخشى الجهر بها ونوايا تستحي اعلانها.
فنحن إلى يومنا ما بين من يريد أن يحكمنا بدينه وبين الذي يريد أن لا يحكمنا بديننا.
أؤمن أن دولة العدل و القانون المحاسبي كفيلة بتأسيس دولة خالية من العنصرية الإثنية و العرقية.
أؤمن أن دولة تحترم دين أهلها وتداينهم بحقهم وتسايسهم بخدمتهم هي دولة خالية من الانفصام الشخصي والذوبان في غير هويتها.
فلنكن صادقين ولا تغرق ايدينا في ذنب هذا الشعب ونطوي ملف العنصرية الاثنية ونمحو فكرة الاقصاء الايدلوجي فهذا شعب له إرث يفخر به ويموت عليه فلنحفظ هويته بلا تحريف ونحارب جهله بالعلم لا بالتبعية.