-
نشر موقع الكونغرس الأميركي بشكل مفاجئ نسخة من مشروع قانون الدفاع الوطني للسنة المالية 2026 (S.2296) بصيغته الحالية في مجلس الشيوخ، ويتضمن بندًا يُلزم وزير الخارجية – بالتنسيق مع وزيري الخزانة والعدل – بتقديم تقييم خلال 90 يومًا من إقرار القانون وتوقيعه من الرئيس، حول ما إذا كانت قوات الدعم السريع (RSF) في السودان، وحركة 23 مارس (M23) في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تستوفيان المعايير القانونية لتصنيفهما كمنظمات إرهابية أجنبية (FTO) وفقًا للقانون الأميركي. وقد أصدرت إدارة بايدن مؤخرًا تصريحًا قانونيًا يُقرّ بارتكاب مليشيات الجنجويد، المدعومة من الإمارات، جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب في السودان.
-
تم تقديم هذا البند بقيادة السيناتور الجمهوري روجر ويكر (عن ولاية مسيسيبي)، العضو البارز في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ. وعلى الرغم من أن ويكر لا يشغل عضوية لجنة العلاقات الخارجية، فهو معروف بقربه من الجناح المتشدّد في قضايا الأمن القومي، وله تفاعلات مستمرة مع السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين (عن ولاية ماريلاند)، عضو لجنة العلاقات الخارجية وناقد علني لتسليح الإمارات لمليشيا الجنجويد. وكلاهما من أبرز الداعمين لتعزيز الوجود العسكري الأميركي في البحر الأحمر ومنطقة السهل الأفريقي، في إطار التنافس الاستراتيجي مع الصين وروسيا.
-
قد يفسّر هذا التقاطع إدراج هذا البند ضمن مشروع قانون الدفاع، ليس استجابة لاعتبارات إنسانية أو لحفظ وحدة البلاد واستقرارها، بل ضمن أولويات أميركية أوسع. وتزداد الشكوك حول أبعاد هذا التحرك، خاصة إذا ما قورن توقيت البند ووجود محاولة للاستفادة من الفظائع التي ارتكبتها مليشيات الجنجويد – بالتهجير، العنف الجنسي، التجويع – لصرف الأنظار عن الحرب في غزة، وتخفيف الضغط الحقوقي والسياسي على إسرائيل.
-
أُقرّ هذا البند في لجنة القوات المسلحة بتصويت شبه إجماعي (26 صوتًا لصالحه مقابل صوت واحد معارض) في يوليو 2025، وهو الآن بانتظار التصويت في مجلس الشيوخ. وإذا تم اعتماده ضمن النسخة النهائية للقانون بعد التوفيق مع مجلس النواب، فسيدخل حيز التنفيذ ويلزم السلطة التنفيذية بإجراء تقييم استخباراتي رسمي حول نشاط مليشيات الجنجويد، رغم توقع تدخل أطراف عدة لمحاولة إضعاف النص أو منع تصنيف رسمي.
-
من أبرز هذه الأطراف الإمارات، الداعم الخارجي الأبرز لمليشيات الجنجويد، وتمتلك شبكة ضغط سياسي قوية في واشنطن. من المتوقع أن تستخدم نفوذها لمحاولة حذف هذا البند أو التلاعب بنتائجه، إذ إن تصنيف هذه المليشيات كمنظمة إرهابية سيكون ضربة سياسية لأبوظبي، ويفتح الباب لتدقيق أوسع في أنشطتها وتمويلها، ويؤدي إلى تطبيق عقوبات جنائية على أي دعم مادي لها، ويجرّم الاتصالات والدعم اللوجستي والمالي المقدم لها.
-
إدارة ترامب السابقة قد تشكّل عامل تعطيل إضافي، إذ تفضل نهجًا دبلوماسيًا براغماتيًا قائمًا على الصفقات، ولا تُرجّح أن تدعم تصنيفات قانونية قد تعقّد علاقة واشنطن بأبوظبي، خصوصًا في ظل جهودها لتوسيع اتفاقات التطبيع مع دول عربية وتعزيز التنسيق الإقليمي ضد النفوذ الإيراني. كما أن تصنيف أي كيان كـ FTO يتطلب استيفاء معايير قانونية محددة، من بينها إثبات تهديد مباشر للأمن القومي الأميركي أو لمواطني ومصالح الولايات المتحدة.
-
ويضيف السياق الجيوسياسي للسودان تعقيدًا إضافيًا: فالتصنيف قد يغير ميزان القوة داخليًا وخارجيًا، ويقوّي موقف الحكومة والقوات المسلحة، ويضعف رُعاة وداعمي مليشيات الجنجويد. وهذا يمثل تهديدًا مباشرًا لخطط أبوظبي في البحر الأحمر والقرن الإفريقي ومنطقة السهل، مما سيدفعها لاستخدام كل أدوات الضغط في واشنطن لمنع إقرار هذا البند أو ضمان ألا يؤدي التقييم إلى توصية بتصنيف هذه المليشيات كـ FTO.
-
رغم أن المشروع لا يزال في مراحله الأولى، فإن تمريره داخل لجنة القوات المسلحة بتأييد واسع يعطيه رمزية سياسية تفوق منح تشريعيًا محضًا. ويضاف إلى ذلك زيارة الفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي إلى بورتسودان وتصريحاته الإعلامية، ما قد يشير إلى بداية تململ بعض الدوائر الغربية التي طالما وفّرت الغطاء لخطاب سياسي مؤيد لأبوظبي، وهو ما قد يمهّد لمراجعة السياسات، خاصة تجاه مليشيات الجنجويد.
-
على الحكومة السودانية أن تتعامل مع هذه المؤشرات بجدية ومسؤولية، عبر تحرّك ثنائي مع الولايات المتحدة، وتحالف مع حلفائها الإقليميين وأدوات نفوذهم داخل واشنطن، لدفع التحوّل نحو مواقف أكثر وضوحًا وعدلًا، وانتصارًا لوحدة السودان ومؤسساته الوطنية، ليس كخيار مبدئي فقط بل كضرورة لاستقرار إقليمي في البحر الأحمر ومنطقة السهل الأفريقي. ومن المرجّح أن يكون هناك توزيع محسوب للأدوار بين الكونغرس، الذي يرسل رسائل أكثر صراحة، وبين السلطة التنفيذية التي قد تجد في هذا التحرك غطاء لإعادة تموضعها دون تحمل الكلفة السياسية المباشرة، خاصة في ملفات تتعلق بحلفاء إقليميين نافذين مثل أبوظبي.
خاتمة
نحن — في “متحدون من أجل السودان” — نرى أن هذه الخطوة مهمة وتستحق الدعم، مع ضرورة توفير الأدلة والوثائق لتأكيد تورّط قوات الدعم السريع في جرائم تُعد جرائم ضد الإنسانية.
المصادر المرجعية
-
نص التعديل S.Amdt.3626 في مشروع قانون NDAA للسنة المالية 2026، والذي يطالب بإجراء تقييم من وزارة الخارجية لتحديد ما إذا كانت RSF وM23 تستوفيان معايير التصنيف كـ Foreign Terrorist Organization بموجب 8 U.S.C. 1189. Congress.gov